الثلاثاء، 6 مارس 2012

﴿وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾[الذاريات: 47]

﴿وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾[الذاريات: 47]
إلى مطلع العقد الثاني من القرن العشرين, ظل علماء الفلك ينادون بثبات الكون وعدم تغيره, حتى ثبت عكس ذلك بتطبيق ظاهرة دوبلر على حركة المجرات الخارجة عن مجرتنا, ففي النصف الأول من القرن التاسع عشر, كان العالم دوبلر لاحظ أنه عند مرور قطار سريع يطلق صفارته فإن الراصد له يسمع صوتاً متصلاً ذا طبقة صوتية ثابتة, ولكن هذه الطبقة الصوتية ترتفع كلما اقترب القطار من الراصد, وتهبط كلما ابتعد , وفسر دوبلر السبب في ذلك بأن صفارة القطار تطلق عدداً من الموجات الصوتية المتلاحقة وأن هذه الموجات تتضاغط بشدة كلما اقترب مصدر الصوت, فترتفع بذلك طبقة الصوت, وعلى النقيض فإنه كلما ابتعد مصدر الصوت تمددت تلك الموجات حتى تصل إلي الراصد, فتنخفض بذلك طبقة الصوت.
كذلك لاحظ دوبلر أن تلك الظاهرة تنطبق أيضاً على الموجات الضوئية, فعندما يصل إلى عين الراصد ضوء من مصدر متحرك بسرعة يحدث تغير في تردد ذلك الضوء, فإذا كان المصدر يتحرك مقترباً فإن الموجات الضوئية تتضاغط وينزاح الضوء المدرك نحو التردد العالي (أي نحو الطيف الأزرق), وتعرف هذه الظاهرة باسم الزحزحة الزرقاء, وإذا كان المصدر يتحرك مبتعداً فإن الموجات الضوئية تتمدد وينزاح الضوء المدرك نحو التردد المنخفض (أي نحو الطرف الأحمر من الطيف), وتعرف هذه الظاهرة باسم الزحزحة الحمراء, وقد اتضحت أهمية تلك الظاهرة عندما بدأ الفلكيون في استخدام أسلوب التحليل الطيفي للضوء القادم من النجوم الخارجة عن مجرتنا
ففي سنة1914 م أدرك الفلكي سلايفر أنه بتطبيق ظاهرة دوبلر على الضوء القادم إلينا من النجوم في المجرات البعيدة ثبت له أن معظم المجرات التي قام برصدها تتباعد عنا وعن بعضها البعض وبدأ الفلكيون في مناقشة دلالة ذلك, وهل يمكن أن يشير إلى تمدد الكون المدركوبحلول سنة 1925 تمكن هذا الفلكي نفسه من إثبات أن أربعين مجرة قام برصدها تتحرك فعلاً في معظمها بسرعات فائقة متباعدة عن مجرتنا (سكة التبانة), وعن بعضها البعض.
وفي سنة1929 م تمكن الفلكي إدوين هبل من الوصول إلى الاستنتاج الفلكي الدقيق الذي مؤداه: أن سرعة تباعد المجرات عنا تتناسب طردياً مع بعدها عنا وبتطبيق هذا القانون تمكن من قياس أبعاد المجرات, وسرعة تباعدها وأشار تباعد المجرات عنا وعن بعضها البعض, إلى حقيقة توسع الكون المدرك, التي أثارت جدلاً بين علماء الفلك
ففي سنة1917 م أطلق أينشتاين نظريته عن النسبية وأشارت إلى أن الكون غير ثابت, وقد أصاب أينشتاين الذعر عندما اكتشف أن معادلاته تنبئ بأن الكون في حالة تمدد مستمر, ولذلك عمد إلى إدخال معامل أطلق عليه اسم الثابت الكوني, ليلغي هذه حقيقة ثم عاد ليعترف بأن تصرفه هذا كان أكبر خطأ علمي اقترفه في حياته.ومنذ ذلك التاريخ بدأ الاعتقاد في تمدد الكون يلقى القبول من أعداد كبيرة من العلماء, كون .
وقد تبين فيما بعد أن المجرات لا تبتعد فقط عنا، بل هي تتباعد فيما بينها كذلك, وهذا يعني أن الكون يتوسع على الدوام.
وجه الإعجاز:
رأينا كيف تحدثت الآية الكريمة عن حقيقة البناء الكوني في قوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾[الذاريات: 47], وقد ثبُت يقيناً أن البناء الكوني منظم ومعقد ومحكم وإن هذا البناء لخصه لنا القرآن بكلمة واحدة ﴿بَنَيْنَاهَا﴾, وهنا يتفوق القرآن على العلم من جديد، فالعلم يتحدث عن (فضاء), والقرآن يتحدث عن (بناء)، وكلمة (بناء) هي الكلمة الأنسب علمياً لوصف السماء. فسبحان القائل: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً﴾[النساء: 87].
وعبر عن هذا الاتساع باسم الفاعل (مُوسِع), واسم الفاعل يكون في الأزمنة الثلاثة (الماضي والحال والاستقبال) وتوسع الكون حقيقة لم يتمكن الإنسان من إدراكها إلا في الثلث الأول من القرن العشرين وقد سبق القرآن الكريم بإقرارها قبل أربعة عشر قرناً أو يزيد, ولا يمكن لعاقل أن يتصور مصدراً لتلك الإشارة القرآنية الباهرة غير الله الخالق تبارك وتعالى, فسبحان خالق الكون الذي أبدعه بعلمه وحكمته وقدرته.
· · · منذ 3‏ ساعات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق