السبت، 31 مارس 2012

قد طالما رأيتكم ساجدين على ركبكم أمام أبواب المدينة

قد طالما رأيتكم ساجدين على ركبكم أمام أبواب المدينة وإلى جوانب المواقد تناشدون بحريتكم.
وأنتم بذلك أشبه بالعبيد الذين يتذللون أمام سيدهم العسوف الجبار يمدحونه وينشدون له وهو يعمل السيف في رقابهم.
نعم, وفي غابة الهيكل, وظل القلعة, كثيراً ما رأيت أشدكم حرية يحمل حريته كنير ثقيل لعنقه وغل متين ليديه ورجليه.
رأيت كل ذلك فذاب قلبي في أعماق صدري. ونزفت دماؤه, لأنكم لا تستطيعون أن تصيروا أحراراً حتى تتحول رغبتكم في السعي وراء الحرية إلى سلاح تتسلحون به. وتنقطعوا عن التحدث بالحري كغايتكم ومحجتكم.
إنكم تصيروا أحراراً بالحقيقة إذا لم تكن أيامكم بلا عمل تعملونه ولياليكم بلا حاجة تفكرون بها. أو كآبة تتألمون لذكراها.
بل تكونون أحراراً عندما تنطق هموم الحياة وأعمالها أحقاءكم بمنطقة الجهاد والعمل, وتثقل كاهلكم بالمصاعب والمصائب. ولكنكم تنهضون من تحت أثقالها عراةً طليقين.
لأنكم كيف تستطيعون أن ترتفعوا إلى ما فوق أيامكم ولياليكم إذا تحطموا السلالسل التي أنتم أنفسكم في فجر إدراككم قيدتم بها ساعة ظهيرتكم الحرة؟
ألا ما تسمونه حرية إنما هو بالحقيقة أشد هذه السلاسل قوة. وإن كانت حلقاته تلمع في نور الشمس وتخطف أبصاركم.
وماذا يجدر بكم طرحه عنكم لكي تصيروا أحراراً سوى كسر صغيرة رثة في ذاتكم البالة؟
فإن كانت هذه الكسر شريعة جائرة وجب نسخها. لأنها شريعة سطرتها يمينكم وحفرتها على جبينكم.
بيد أنكم لا تستطيعون أن تمحوها عن جباهكم بإحراق كتب الشريعة التي في دواوينكم. كلا. ولا يتم لكم ذلك بغسل جباه قضاتكم. ولو سكبتم عليها كل ما في البحار من مياه.
وإن كانت طاغية تودون خلعه عن عرشه فانظروا أولاً إن كان عرشه القائم في أعماقكم قد تهدم.
لأنه كيف يستطيع طاغية أن يحكم الأحرار المفتخرين. ما لم يكن الطغيان أساساً لحريتهم والعار قاعدة لكبريائهم؟
وإن كانت هماً ترغبون في التخلص منه فإن ذلك الهم إنما أنتم أخترتموه ولم يضعه أحد عليكم.
وإن كانت خوفاً تريدون طرده عنكم فإن جرثومة هذا الخوف مغروسة في صميم قلوبكم وليست في يدي من تخافون.
الحق أقول لكم. إن جميع الأشياء تتحرك في كيانكم متعانقة على الدوام عناقاً نصفياً: كل ما تشتهون وما تخافون. ما تتعشقون وما تستكرهون, ما تسعون وراءه وما تهربون منه.
جميع هذه الرغبات تتحرك فيكم كالأنوار والظلال.
فإذا أضمحل الظل ولم يبق له من أثر. أمسى النور المتلآلئ ظلاً لنور أخر سواه.
وهكذا الحال في حريتكم, إذا حلت قيودها أمست هي نفسها قيداً لحرية أعظم منها.
· · · منذ 4 ساعات بالقرب من ‎Beirut, Beyrouth‎

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق