السبت، 1 سبتمبر 2012

عباد بن بشر - معه من الله نور

>>>>>>> عباد بن بشر - معه من الله نور - <<<<<<<

عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل, الإمام أبو ربيع الأنصارى الأشهلى، كان من سادة الأوس.عندما نزل مصعب بن عمير المدينة موفدآ من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليعلم الأنصار الذين بايعوا الرسول على الإسلام، وليقيم بهم الصلاة، كان عباد بن بشر رضى الله عنه واحدآ من الأبرار الذين فتح الله قلوبهم للخير، فأقبل على مجلس مصعب وأصغى إليه ثم بسط يمينه يبايعه على الإسلام، وكان قد شغف بكلام الله حبًّا وأفسح له فى سويداء فؤاده مكانًا رحبًا وجعله شغله الشاغل فكان يردده فى ليله ونهاره وحله وترحاله حتى عرف بين الصحابة بالإمام وصديق القرآن... ومن يومه أخذ مكانه بين الأنصار الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه..فكان من المسلمين الأوائل وقد أسلم قبل سعد بن معاذ وأسيد بن حضير...وإنتقل النبى إلى المدينة مهاجرآ، بعد أن سبقه إليها المؤمنون بمكة... آخى النبى بينه وبين عمار بن ياسر... شهد عباد بن بشر مع الرسول مشاهده كلها, وكان له فى كل منها موقف يليق بحامل القرآن..من ذلك أن الرسول لما قفل عائدًا من غزوة "ذات الرقاع" نزل بالمسلمين فى شعب من الشعاب ليقضوا ليلتهم فيه وكان أحد المسلمين قد سبى فى أثناء الغزوة إمرأة من نساء المشركين فى غيبة زوجها, فلما حضر الزوج ولم يجد إمرأته, أقسم باللات والعزى ليلحق بمحمد وأصحابه, وألا يعود إلا إذا أراق منهم دمًا فما كاد المسلمون ينيخون رواحلهم فى الشعب حتى قال لهم الرسول : "من يحرسنا فى ليلتنا هذه؟" فقام إليه عباد بن بشر وعمار بن ياسر وقالا: نحن يا رسول الله, ورأى عباد صاحبه عمار مجهدآ، فطلب منه أن ينام أول الليل على أن يقوم هو بالحراسة حتى يأخذ صاحبه من الراحة حظآ يمكنه من إستئناف الحراسة بعد أن يصحو.. كان الليل ساجيًا هادئًا, فتاقت نفس عباد بن بشر إلى العبادة و القرآن, وكان أحلى ما يحلو له القرآن إذا رتله مصليًا فيجمع متعة الصلاة إلى متعة التلاوة.فتوجه إلى القبلة ودخل فى الصلاة وفيما هو فى صلاته أقبل الرجل يحث الخطى، فلما رأى عباد من بعيد منتصبًا على فم الشعب عرف أن النبى بداخله وأنه حارس القوم, فوتر قوسه وتناول سهمًا من كنانته ورماه به.فإنتزعه عباد من جسده ومضى متدفقًا فى تلاوته غارقًا فى صلاته.فرماه الرجل بآخر فإنتزعه كما إنتزع سابقه, فرماه بثالث فإنتزعه كما إنتزع سابقيه، وزحف حتى غدا قريبًا من صاحبه وأيقظه قائلاً:إنهض فقد أثخنتنى الجراح.. فقام عمار وأحدث جلبة فلما رآهما الرجل ولى هاربًا.
وإلتفت عمار بن ياسر إلى عباد بن بشر فرأى الدماء تنزف غزيرة من جراحه الثلاثة, فقال له: سبحان الله هلا أيقظتنى عند أول سهم رماك به؟!فقال عباد: كنت فى سورة أقرأها كان قطع نفسى أحب إلى من قطعها..!! كان عباد شديد الولاء والحب لله، ولرسوله ولدينه..وكان هذا الولاء يستغرق حياته كلها وحسه كله..ومنذ سمع النبي عليه الصلاة والسلام يقول مخاطبا الأنصار الذين هو منهم:" يا معشر الأنصار..أنتم الشعار، والناس الدثار..فلا أوتيّن من قبلكم". وهو يبذل روحه وماله وحياته فى سبيل الله ورسوله..فى مواطن التضحية والموت، يجيء دوما أولآ..وفى مواطن الغنيمة والأخذ، يبحث عنه أصحابه فى جهد ومشقة حتى يجدوه..!وهو دائمآ: عابد، تستغرقه العبادة..بطل، تستغرقه البطولة..جواد، يستغرقه الجود..مؤمن قوى نذر حياته لقضية الإيمان..!!وقالت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها:" ثلاثة من الأنصار لم يجاوزهم فى الفضل أحد:" سعد بن معاذ..وأسيد بن خضير..وعبّاد بن بشر...وكان عباد بن بشر موصوفاً بشدة البأس والشجاعة حتى قال عمر لرسول الله فى غزوة بنى المصطلق: "مر عباد بن بشر فليضرب عنق المنافق عبد الله بن أبى بن سلول". ومن أعلام أعماله الفدائية أنه شارك فى قتل كعب بن الأشرف اليهودى وكفى رسول الله شر هذا الفاجر الأفاك.وفى غزوة تبوك جعل رسول الله عباد بن بشر على حرسه وأوكل إليه هذه المهمة.وعرف المسلمون الأوائل عبادآ بأنه الرجل الذى معه نور من الله..فقد كانت بصيرته المجلوّة المضاءة تهتدى إلى مواطن الخير واليقين فى غير بحث أو عناء..بل ذهب إيمان إخوانه بنوره إلى الحد الذى أسبغوا عليه فى صورة الحس والمادة، فأجمعوا على أن عبادآ كان إذا مشى فى الظلام إنبعثت منه أطياف نور وضوء، تضيء له الطريق.. وفى حروب الردة، بعد وفاة الرسول عليه السلام، حمل عباد مسؤولياته فى إستبسال منقطع النظير..وفى موقعة اليمامة التي واجه المسلمون فيها جيشآ من أقسى وأمهر الجيوش تحت قيادة مسيلمة الكذاب أحسّ عبّاد بالخطر الذى يتهدد الإسلام..وكانت تضحيته وعنفوانه يتشكلان وفق المهام التى يلقيها عليه إيمانه، ويرتفعان إلى مستوى إحساسه بالخطر إرتفاعا يجعل منه فدائيآ لا يحرص على غير الموت والشهادة.. وقبل أن تبدأ معركة اليمامة بيوم، رأى فى منامه رؤيا لم تلبث أن فسرت مع شمس النهار، وفوق أرض المعركة الهائلة الضارية التى خاضها المسلمون..حيث رأى كأن السماء قد فرجت له، فلما دخل فيها أطبقت عليه..ويجئ يوم اليمامةوتبدأ المعركة ويرى عباد المعركة الضارية تتجه فى بدايتها لصالح الأعداء، فيتذكر كلمات رسول الله لقومه الأنصار:" أنتم الشعار..فلا أوتيّن من قبلكم"..حتى لكأن الرسول عليه الصلاة والسلام قائم الآن يرددكلماته هذه..وأحس عباد أن مسؤولية المعركة كلها إنما تقع على كاهل الأنصار وحدهم.. أو على كاهلهم قبل سواهم..هنالك إعتلى ربوة وراح يصيح:" يا معشر الأنصار..أحطموا جفون السيوف..وتميزوا من الناس...فسارع إليه أربعمائة رجل، كلهم من الأنصار،قادهم هو وأبو دجانة والبراء بن مالك إلى حديقة الموت حيث كان جيش مسيلمة يتحصّن.. وقاتل البطل القتال اللائق به كرجل.. وكمؤمن.. وكأنصارى.. وفى ذلك اليوم المجيد إستشهد عباد بن بشر...وقد وجد المسلمون فى وجهه وجسده ضربآ كثيرآ، وما عرفوه إلا بعلامة كانت فى جسده.. هكذا إرتفع عباد إلى مستوى واجباته كمؤمن من الأنصار، بايع رسول الله على الحياة لله، والموت فى سبيله...لقد صدقت رؤياه التى رآها فى منامه بالأمس ولقد تفتحت أبواب السماء لتستقبل فى حبور، روح عبّاد بن بشر..الرجل الذى كان معه من الله نور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق